أعتقد أن الحياة مبنية على التعدد في كل شيء ، لتصب أخيرا في التوحد . و لا هروب من التعدد و التمدد فهما غاية تعمير الأرض التي كان فيها الانسان خليفة بأمر من الله ، واقتضاء طبيعة الحياة التي هي في النهاية رسالة تبليغها حتمية .
العلاقة بين الرجل و المرأة : لا يمكن للرجل أن يكون قادرا على أداء رسالته و لا المرأة وحدها بل كل يقضي على ضعفه بوجود الآخر ، و لا يمكن لأحد الادعاء أنه أفضل من الآخر ، بل كل لما يسر له أو وكل به .
لكن الأصل يبقى الرجل بدءا من كونه الأول خلقا الى اختيار ه قواما على المرأة لما منح من أهلية ذلك ، و ليس كذلك هذا مدعاة للاعتقاد أنه الأفضل .
ضرورة وجود المرأة بالنسبة للرجل : بغض النظر عن الرسالة المنوطة بكليهما للقيام بها أو لأدائها قصدوا ذلك أو لم يقصدوا كالانجاب و تعمير الأرض و ما الى ذلك فانه نجد المرأة زيادة عن الجانب التمتعي الغريزي فهي في حاجة الى قوامة الرجل عليها من الناحية الحياتية فهي على الأقل في حاجة الى حمايته انطلاقا من طبيعتها كامرأة أضعف من الرجل ، و كذلك أكثر استهدافا بكونها امرأة كل يرى حقه فيها .
أما الرجل فالدافع تمتعي و شهواني و بحث عن راحة و سكينة ، و هو في هذا الجانب أكبر من المرأة ، و حتى المرأة قد جاءت لتكميل هذا الجانب المهم عند الرجل ، و تأملا في هذا المخلوق و طريقة خلقه من الرجل و بشكل لطيف و جميل و كأنه مكافأة للرجل و امتاع له ، و يتجلى ذلك في جعل النساء على رأس ما يكافأ به الرجل في الجنة و ما يغرى به و يرغب به في هذا الباب . و قد يظن البعض أني بهذا أسيء الى المرأة بل هذا الموجود ، و هي بهذا تحرز مكانا ساميا ، بل لها الشرف أن تكون في هذا المقام . مكان المكافأة أخرويا ، و التطلع دنيويا و لا أثمن منها ، و لا أكثر قيمة .
تعدد الزوجات : مادامت حاجة الرجل هذه ، و كثير قد لا يتحصن بواحدة ، و الزواج جاء لهذا الغرض حتى يتفرغ الرجل لمهام ، و يبتعد عن انزلاقات تضر به و بالمجتمع ، و بالمرأة ذاتها ، و يعوق الوضع أداء الرسالة فان الشرع أباح للرجل التعدد أي التزوج بأكثر من واحدة لمن وجد الحاجة في نفسه أو في المجتمع لذلك بشرط العدل .
حكم التعدد :
التعدد مباح و جائز . و لكنه يدخل باب الوجوب اذا خاف الرجل الوقوع في الحرام ، أو قل الرجال و أصبحت نساء بلا زواج ، و عمت الرذيلة و الفساد ، أو بعض الحالا ت الخاصة التي قد تفرض على الانسان المعالجة بالتعدد .
الأصل في التعدد :
الكثير يرى الأصل واحدة الا اذا كان داع الى التعدد مع توفر العدل . و لكن هناك من العلماء أو من السياق نرى أن الأصل هو التعدد الا اذا خفنا أن لا نقدر على العدل فنكتفي بواحدة .
معنى العدل : يخلط الكثير بين آية - فانكحوا ما طاب ....- وآية - ... ولن تعدلوا بين النساء ...- فالأولى لو لم تكن امكانية العدل ما كانت الاباحة . و العدل المطلوب هو في المعاش من لباس و أكل و شرب و معاملة ظاهرة و مبيت و غير ذلك مما هو يقدر عليه الرجل . وأما العدل الذي تنفيه الآية الثانية فهو يخص الأمور القلبية الخارجة عن ارادة الانسان و لا يستطيعها حتى الأنبياء كالحب و المعاملة في الفراش .و الانسان لا يحاسب عنها هنا .
دواعي وأسباب التعدد:
من الخطأ أن تربط دواعي التعدد كلها في نقص في المرأة أي الزوجة السابقة . و الحقيقة ليست كذلك ، حيث نجد الرجل له زوجة في منتهى التكامل من جميع النواحي جمالا و ثقافة و أخلاقا و دينا و مالا وأنوثة ... و لكنه في حاجة الى زوجة أو أخريات . وعليه فقد يكون الباعث شهوة فوق اللزوم ، أو عدم وجود شيئا يشتهيه و يفضله في الزوجة السابقة أو لمرض أصابها أو لعقم لنقص في المستوى العلمي أو عدمه أو لكبر سنها وعدم تلبية رغباته أو غير ذلك . و الشرع ترك الأمر مفتوحا و لم يقيده الا بالعدل .
هل للمرأة حق منع التعدد ؟:
في الشرع لا يحق للمرأة منع زوجها من التعدد والا كانت عاصية له و منتهكة حقا شرعيا له ، بل له من حسن المعاملة أن يطلعها على ما يريد الاقدام عليه .
من له حق التعدد : الشرع اشترط العدل ، و التلاعب بهذا الشرط خطير ، والوعيد لمن لا يعدل شديد ، و على الرجل أن يكون قاضيا ، فيحاول أن يسوس أسرته بكل اجتهاد حتى لا يظلم لا هذه و لا تلك . و ليس مطالبا بأن يصرف الأموال و يشيد لهن القصور ، القضية بسيطة . ان أسكنت هذه كوخا فافعل نفس الشيء مع الأخرى ، وان اخترت لهذه قصرا فكذلك تلك . وان نمت ليلة مع هذه فاعط للأخرى ليلة . وان اشتريت لهذه جوربا فاشتر للأخرى جوربا و هكذا . و لا يفعل هذا الا من حكم عقله و دينه ورأى أن الدنيا امتحان نتائجه ستكشف .
التعدد في أيامنا : لا يختلف اثنان أن وقتنا هذا أصبح يعج فتنة و عريا و تبرجا لم يسبقه وقت ، وأمام هذه المغريات يجد الرجل نفسه على بركان عاصف ، و مجتمعنا اسلامي ماكان له أن يكون على هذا الحال ، لكون صورة مجتمعنا اليوم لا فرق بينه و بين المجتمعات الاباحية التي يمارس فيها كل شيء دون قيود . وأمام هذا لا يجد الرجال مهربا يبقي على دينهم وايمانهم و طهارتهم الا التعدد ، و المعالجة الشرعية بدل الارتماء في أحضان الرذيلة . و لكن الرجل يجد نفسه بين نيران عدة : حكومات تمنع أو تصعب التعدد ، ونساء يجاهرن برفض التعدد ولو اقتضى الأمر ترك أزواجهن يمارسن الزنى و مجتمع يستقبح التعدد و يسكت عن الزنى وفتنة تزحف دون رحمة .
استقباح دافع الهوى و الشهوة : لنكن واقعيين الهوى و الغريزة فاعل مهم في دفع الرجل الى الزواج الأول أو ما يليه ، و قيمة المرأة تأتي من هذا الجانب الذي يتوقف عليه استمرار الحياة ، و هو كذلك السبب في اقبال الرجل على الحياة و شعوره بحلاوتها و نكهتها ، و يقال أن الرجل لولا جانب الضعف هذا المتمثل في الغريزة ماكان ليخضع للمرأة و يبني أسرة ، و يتعامل مع المرأة خاصة و جل رجالنا سامحهم الله يرون أن الرجل أفضل من المرأة بكثير . و نحن نعرف انه بعد ذلك ليس الجنس هو الدافع وحده بل تأتي أهداف أخرى أهم .