مفهوم ومدنية الدولة
علينا أن نتفق جميعاً على أنه كلما تصارعت الأيدولوجيات كلما كان الأمر أكثر تعقيداً، برغم وجود أيدولوجيات واضحة لا خلاف عليها، إلا أن قوى الجذب التي تقوم بها كل أيديولوجية لصالحها ما هي في الحقيقة إلا عملية عرقلة للتغيير، لأنها تؤدي إلى توتر الأجواء العامة، خاصة أن هناك أوقات تحتاج فيها الدولة إلى توضيح لملامح الأحداث وليس العكس.
لابد قبل أن نطالب بدولة مدنية أو إسلامية وأن نقيم صراعاً لا أساس له أن نعرف مفهوم الدولة.. هنا سنعرف أن الدولة بطبيعتها مدنية، ولن يأتي هذا إلا بعد الوقوف على مفهوم الدولة، وفهمه، وكيف تسير ومن ينفذ أغراضها، لو تفهمنا هذه النقطة لتوقفت الكلمات التي يلقي بها البعض لمجرد المصادرة على الرأي الآخر لفرض أيدولوجية معينة مما يولّد صراعا يعرقل سير الدولة بطبيعتها المدنية.
الدولة مجتمع كبير يعيش فيه الأفراد بغض النظر عن اللون والجنس والعرقيات وكل هذا لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات تجاه الدولة، ولا يجب أن نسوي بيننا في جميع الواجبات ونأتي على جماعة بعينها وننقص من حقوقها سواء كانت سياسية أو إنسانية لمجرد انتمائها أو اعتقادها، فهذا في حد ذاته هدم لمفهوم الدولة ونموذج للرجعية الفكرية، لأن طبيعة الدولة المدنية تكفل نفس الحقوق لكل من يحمل جنسيتها، وفي نفس الوقت تلزمهم بنفس الواجبات دون أن تنقص من نصيب أي جماعة تختلف في اعتقادها أو انتمائها عن الأخرى.
والحكومة ليست هي الدولة، إذ أن الحكومة ليس لها سلطة إلزامية عليا على عكس الدولة، فهي مجموعة من المؤسسات متملثة في أشخاص يعملون على تنفيذ أغراض الدولة من أجل خدمة كافة الأفراد الذين يعيشون على أرضها، وتمارس الحكومة سلطتها من خلال ماتخوله لها الدولة من صلاحيات إن زادت عن الحد المسموح به يتحول الحكم الشرعي إلى حكم استبدادي.
وحين نتحدث عن الدولة بعيداً عن العنفوانية في تطبيق فكرة معينة لأغراض ليس لنا فيها ناقة أو جمل، نجدها بطبيعتها مدنية، وأرد ببساطة على الذين ينادون بأن الدولة المدنية تهدم الإسلام وأقول لهم بأن الدولة المدنية لاتتعارض مع الإسلام ولا مع أي دين آخر، وانظروا إلى دستور المدينة الذي وُضِعَ في السنة الأولى لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يهدف إلى تنظيم العلاقات بين جميع طوائف وجماعات المدينة ويكفل لهم نفس الحقوق والواجبات، كحق الدفاع عن المدينة والتصدي لأي عدوان خارجي، وحق ممارسة الشعائر الدينية والاعتقاد والمساواة والعدل، وهو أول دستور مدني في التاريخ، فلا يجب علينا أن نختزل كل هذا وندعوا لتطويع الدولة لمسميات لا أصل لها ولا هدف إلا إثارة الجدل ومحاولة عزل طائفة بعينها عن ممارسة حقوقها والتفرقة بين أفراد الوطن الواحد، وهذا أبسط دليل على أن الدولة بطبيعتها مدنية.
محمد عبدالرحمن شحاتة
جريدة الشروق .. 12/5/2012
جريدة منبر التحرير .. العدد 41 / 8/5/2012