دموع ِشهدٍ
فى سكونِ ِليل وعلى حياءطرقتْ كلماتُها عيونى، وكنت أظنها جاءت تغازلنى،
أو تلين رباط عشقٍ قيدتنى فيه, فجرحت وأدمت الفؤاد,
وسكبت دموعاً تشعر فى حرارتها وكأنما تنورٌ فار بعد طول غليان.
هرب شعاع النوم الذىتوسد مقلتى, كانت كل ُ كلمة بمثابة ِ سكين أو مديةٍ لا نصل لها,
طعنات تلو طعنات, جلدتنى بسياط ِدموعها وكنتُ أظنها شهداً,
فأبقت فى النفس لوعة ومرارة لم أتذوقها من قبل, جاءت عبراتها ترمينى بالخيانة,
وتغزل ثوب خيانة لأرتديه على مقت ٍفأبيتُ.
أهٍ من طعنة الأخ ِ وقسوة ِ المعشوق ِوجرح الصديق,
لا مبضع ٌ يداوى أنذاك,.ولا دواء يُشفى البتة.
رمتنى بالخيانة ولها محرابٌ فى أعماقى أصلى فيه, وأرممُ فيه ما ينهدُّ,
فكل ُْ ليل دونها مظلمٌ كواكبه, أهٍ حين يرمى رجل ٌ مختمرةً بالسفور وبالدعارة,
هكذا كان وقع دموعها علىَّ وأشدُّ,
فما أصعب الحكم وأقساه إن لم يسبقه مداولة أو رد!
كرهت ُ كلماتى, كفرت ُ بقلمى,.مزقت ُ بعض أوراقى,
فلربما مثلها كثيرٌ يرمينى خيانةً دون أن أدرى,
ومداد قلمى عاهدنى أن يحيا يدافع عن وطنى الكبيرالذى فى همومه ومراحيضه أتنفس .
قلت لها: يا دموع الحبيبة أنت لم تفهمى قصدى, فأنا عكس ما تظنين وأقسمتُ,
فأعيدى قراءتى من جديد, وحاولتُ أن أعطر يدى ولو بدمعة منها فأبتْ.
يا سيدتى كُلنا كَلْمَى كلنا مكرهون ننفذ مشيئة الإنسانية ومشيئة القدر,
والقانون فى مثل حالتنا هذه يعدل بظلم, ويصرف الناس من خوف الله إلى خوف الحاكم,
فأنت ِ يا (دموع غزة) حباك الله لشرف الدفاع عن القضية النبيلة,
اختصك الله دون سائر أهل الأرض فمنكم من قضى نحبه,
ومنكم من ينتظر, كشفت عن ساقيها لأرى إصابتها, فغضتُ,
قالتْ : لا بأس انظرفتشجعتُ, قلتُ لها: هذه باقة حب يرسلها المولى للقد,
كنا نغبطكم فى حصاركم ويتمنى ندى ترابكم كل ذى قلب.
أنتم حقاٌ أحرار وكل ما سواكم محاصرون ,
فى أجسادهم يثًْاقلون ,مع شيطانهم وأدرانهم يعبثون.
يا دموع غزة الدنيا عالم واحد لكل من فيها,
لكن دائرة النفس والفكر والمنهج والسلوك هى لصاحبها عالمه وملكوته,
فالحرُْ السعيدُ من استقر فى عالم ِ فكرته ومنهجه يحكم فيهما كالملك,
وان كان تحت الحصار وتحت النار,
والشقىُّ المحاصر من ينظر إلى عوالم الغير يقلد هذا, ينافق هذا يحابى هذا,
فلا فكرة تأويه, ولا منهج يحكمه فيصيركالأجنبى فى غير بلده, وإن بدا ملكاً أمام الغير,
إن كل شئ ٍّيصبح أجنبيا وحصارا على الإنسان مادام هو أجنبيا عن نفسه وفكره وسلوكه ودينه,
أعلم أنك مجروحة, لكن جرح الأمة اعمقُ بعمق ِ حدود الأمة وأفرادها,
فمن يرضى بما حدث لكم ولم يبذل المستطاع فهو الخاسر,
أما من تاجر وزايد عليكم فلا أعلم فى مفردات اللغة كلمة تصف قبح جرمه.
حين يسكن مقلتك يا غزة رجال ينبعثون من حدود فضائلهم ودينهم لا من حدود أنفسهم وشهواتها,
فاعلمى أنك تذرفين شهدا لا دمعا, إن من يسكن جفونك يا غزة هم العقل الجديد فى قلب الأمة,
فهم اعتادوا عبادة الأعضاء التى تورث طهارة وانضباطا,
واعتادوا عبادة القلب التى تورثُ طهارة السريرة والنماء,
واعتادوا عبادة النفس التى تورثُ بذلها فى سبيل كل خير.
ستظل فلسطين عذراء يا غزة حتى تتزوج حريتها على يد هؤلاء ساكنى عينيكِ,
وتنجب جيلا يغسل كل دنس الأرض بإذن الله, لك الحق أن تفخرى بهم,
فأنا أظن الشمس تشرق الأن عليهم,
فتحدث عليكِ صفاءَاللؤلؤ وإشراقة الياقوت يتأمله الجميع ويتعلمه.
فهذا النور الذى فى الوجود هو حظ غزة ورجالها,
أما ما عداهم فأسباب الحياة التى يكدحون وراءها, هى نفسها ستتحول إلى أسباب مرض,
ثم أسباب موت, ثم إلى (مزبلة)التاريخ غير مأسوفى عليهم,
أما عندكم فأسباب الحياة تفضى إلى استشهاد,
أو إلى يقظة تُخرج من عينيكِ دعوى بقاء واستمرار.
فإن لم يكن البحرفلا أمل فى لؤلؤ, وإن لم يكن النجم فلا أمل فى شعاع,
وإن لم تكن زهرات الورد فلا أمل فى أريجه,
وإن لم تكن الشمس فلا ضياء ولا حياة,
وإن لم تروى غزة أرضها بالشهد فلا جهاد ولا قضية,
فحماس الفكرة ..أنبتت ألفا من نِزار, وسعيدٌ فينا لم يمت,
وسعيد ٌمن مات عليها صائماً .
وهنا…هدأت…..سكنت….. جفت دموع غزة
وتركتنى أتوسد… أحلم…….أتشهد……ألعق……فى...
كانت مهداة إلى ابنة الأقصى( ميور)
فلها منى تحية