كاد معظم الناس البسطاء في مصر يقولون : خذوا السلطة وامنحونا الاستقرار
وإليكم بعض ما كتب :
خذوا السلطة وامنحونا «الاستقرار
بقلم محمد البرغوثى ٢١/ ١١/ ٢٠١١
ما الذى يحدث فى مصر منذ تخلى مبارك عن الرئاسة فى ١١ فبراير الماضى؟
اطرح هذا السؤال على من شئت، مواطناً كان أو ناشطاً سياسياً أو وزيراً أو عضواً فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو كاتباً.. لن تعثر أبداً على إجابة شافية ولن تفارق أبداً المتاهة التى ندور فيها جميعاً ولا نكاد نفعل شيئاً غير إحصاء الضحايا والخسائر.
المواطنون انقسموا إلى فريقين تقريباً: فريق انهارت كل آماله وتبخرت كل أفراحه بالثورة، وهو يرى ويعايش مظاهر الإضراب الصامت للشرطة وتوحش البلطجية واللصوص وجشع تجار السلع الغذائية، وتعطل العمل فى المحاكم والنيابات والاختناق المرورى المميت والمدمر للأعصاب فى المدن الكبيرة والصغيرة، وتوقف الإنتاج وانفلات الأسعار وانهيار التعليم وخراب مستشفيات الحكومة.
وفريق مازال قابضاً على جمرة الصبر، يعرف أن أنصاف وأرباع الثورات هى الجحيم بعينه، وأن «الثوار الذين يتوقفون فى منتصف الطريق يحفرون قبورهم بأيديهم»، وأن أنظمة الحكم الفاسدة لا يجدى معها غير الاقتلاع الكامل، وأنها تعود دائماً أقوى وأفسد وأفظع مما كانت، وأن شهوة الانتقام من الشعب الذى أهانها لن تشعر بالتحقق حتى تعود القطعان إلى حظائرها تنعم بتعاسة العلف المقسوم لها، وتسبح بحمد جنرالها الفاسد.
ولكن هذا الفريق الأخير الذى كان منوطاً به إنجاز كل أهداف الثورة، انقسم على نفسه مرات عديدة، وتحولت كتلته الموحدة إلى فرق وأحزاب وائتلافات وتيارات تحركها طلائع لا توحى أبداً بالثقة، تركت الثورة وحيدة فى الميادين، وجماهير الثورة غارقة فى مطالبها الفئوية، وسارعت إلى حجز مقاعد فى الصفوف الأمامية للسلطة المقبلة.
أما الوزير أو عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة فلن تجد لديه إجابة عما حدث فى مصر غير الكلام الذى يشبه جثث الحيوانات الطافية على مياه راكدة وآسنة: إنهم جميعاً يتحدثون عن مؤامرات وأجندات، ويتحدثون عن أعداء يخططون لتخريب البلد، وعن وثائق ومستندات وأدلة دامغة ضد تيار بعينه أو أشخاص محددين، وبعد كل «تصريح» كبير ننتظر أياماً وأسابيع للكشف عن المؤامرة، وإذا بنا نصحو على تفاهات، وعلى أحداث أخرى مدبرة ننشغل بها، أبطالها دائماً، ودون استثناء واحد، هم المرشدون السريون لأمن الدولة وبلطجية رجال أعمال الحزب الوطنى وفقراء الأحياء الشعبية الذين يسهل استئجارهم لأى عمل، ولم يحدث أبداً أن تمكنت الحكومة أو المجلس الأعلى، بكل ما لديهم من أجهزة، من ضبط أحد من هؤلاء، أو معرفة من يحركهم والإعلان عنهم وتقديمهم لمحاكمة عاجلة.
وسط هذا كله دخلت محاكمات الرئيس السابق ونجليه وكبار رجال نظامه فى نفق طويل، ومن لديه أدنى دراية بقانون العقوبات وإجراءات التقاضى بإمكانه أن يدرك أن هذا النوع من المحاكمات قد يؤدى إلى إدانة الضحايا أكثر مما يؤدى إلى إدانة القتلة والفاسدين، والمؤلم فى الأمر كله أن القوى السياسية التى تتصارع حول بديهيات، وتهدر طاقة الأمة بكاملها فى جدل مخيف حول مدنية الدولة والمادة الثانية من الدستور والإسلام هو الحل والعزل السياسى للفلول، فات عليها أن تدرك أن أمهات وآباء آلاف الشهداء والمصابين يتهالكون الآن فى الطرقات بحثاً عن حقنة أنسولين وعن رغيف خبز مغموس بالمهانة!
والنتيجة أننا لم نصنع ثورة، وإنما مهدنا تربة الوطن للخراب الشامل وللمجاعات التى أوشكت على الدفع بضحاياها إلى فوضى رهيبة.. وإذا وقعت الفوضى فلن يفلح معها غير بقاء العسكر فى السلطة: سنقول لهم خذوا السلطة كاملة وامنحونا فقط رغيف الخبز وحقنة الأنسولين وصفعة الضابط اللئيم على قفا المواطن والبلطجى معاً.. حتى نشعر بشىء من الأمان المهين!
منقول