مذكراتي عن حرب غزة

ونظراً لأن امكانيات الصليب الأحمر ضعيفة قدم لنا حليب الأطفال فقط
فتناولت كوباً من الحليب قسمته نصفين نصف له والآخر لأبي
وحاولت الخروج ثانية لإحضاء الدواء لأبي لكن الصليب منعني من الخروج
وطلبوا مني أن أنتظر فترة من الوقت حتى يهدئ الوضع
وبين صراخ العائلات المنكوبه التي كانت تتوافد الى هناك فقدت أعصابي وأجهشت بالبكاء
فكل عائلة لها مع الحرب قصة وحدث
كنت أتمنى أن تصم آذاني حتى لا استمع حيث أن أحاديثهم كانت قمة في الماٍساة

وكان شاغلي الوحيد كيف سأحضر الدواء لوالدي
وكيف سأوفر له الطعام إذ أن ميقات فطوره قد ولى
وكان من المفترض أن يتناول فطوره منذ ساعات الصباح الأولى

شاهد ابني بعض العائلات يطعمون اطفالهم ممن أحضروه معهم

فقال لي ماما انا جوعان

حاولت أن اهدئه واصبره وقلت له سآتيك بالطعام بعد فترة وجيزة
سمعتني احدى الأمهات وقدمت لطفلي ربع رغيف أخدته من ابنها
انهال ابني على قطعة الخبز واقنتعته أن يقتسمها مع والدي
وذهب ليطعم جده بكل سرور وفرح

صدقاً أنني شعرت في بعض الارتياح نوعاً ما وانا في الصليب الأحمر
رغم تلميحات الصليب ان المكان غير آمن وان الاسرائيلين قاموا بقصف مدارس الوكالة
والتي كانت تأوي كثيراً من العائلات الفلسطينية التي هربت من ويلات الحرب

حيث أدركت أن الموت مع الجماعة رحمه

وبعد فتره سمح لنا بالخروج قليلاً ولكن على مسئوليتنا
فذهبت الى بيتي قد أحضر الدواء لابي وبعضاً من الغذاء
وما أن دخلت باب شقتي والذي كان مفتوحاً انتباني شعوراً أنني قد لا استطيع الرجوع
الى حضن والدي وابني

كنت أدعو الله وأقول يا رب ساعدني واحفظهم من كل مكروه

وعدت اليهم وعين الله تصونني وتحميني

وأتى الليل
والذي كنا دوماً نخشاه إذ أن الانفجارات كانت تشتد بقوة فيه
ويتركز القصف على الاماكن المحيطة منا
وقد عمد الصليب أن يوفر لنا مبيتاً في اماكن عمله وطلب من الرجال أن يناموا
بين السماء والطارق متلحفين بغطاء من النايلون الذي وزعه الصليب للبعض من العائلات
إذ كان عدد أغطيه النايلون لا تكفي العدد المتواجد
فأتت أم فلسطينية تبكي زوجها وابنها الكبير وتطلب من الصليب أن يطمئنها عليهم
كان اليهود قد هاجم ابراج السعادة وقتها في تل الهوى واخدوا كل الرجال رهينة لهم
فأخذت أهدئ من روعها واطمئنها وكان معها ثلاثة من أطفالها
كان ابنها الصغير والذي يبلغ من العمر أحدى عشر عاماص يعاني من أزمة صدريه
لدرجة انه كاد يتوفى فذهبت مسرعه لطاقم الصليب الأحمر كي يوفر له جهازاً للتبخير
حتى يوسع الشعب الهوائية ويستطيع التنفس
لكن الصليب اعتذر لأنه لا يملك الجهاز
وتذكرت ان عندي في البيت الجهاز والدواء فقلت لها سأذهب واحضر لك جهازي فوراً
من حسن حظك ان بيتي لا يبعد كثيراً عن الصليب الاحمر
وطلبيت منها أن تهتم بإبني ريثما أعود
خرجت من الصليب وانا ارتعش من الخوف والظلام الحالك وصوت الانفجارات المتوالية
وانا في طريقي لدرج البيت كنت لا ارى شيئاً سوى بعض شظايا الفسفور الملتهبة
هي التي كانت تنير لي الطريق
دخلت البيت وانا خائفة وأحسست ان المكان بدا مهجوراً
واحضرت الجهاز ورجعت الى الصليب ثانية

وفي أول ليلة قضيناها بالصليب شعرت نسبياً بالهدوء
رغم ازدحام المكان فقررت ان ننام
وما وضعت جسدي على الفراش إلا وابي ينادي عليّ
ونظراً لكبر سنه كنت قد طلبت من الصليب ان ينام معنا بالداخل لأن صحته لا تحتمل

ابي كان ممتعضاً من وجوده في الصليب الاحمر
وطلب مني ان يعود الى البيت
وقلت له ما صدقنا نوصل هنا يا بابا
الصبح ان شاء الله اخدك البيت

وذهبت ثانية لأنام وكنا في كل غرفة 80 عائلة
وتراوح عدد القاطنين في كل غرفة اكتر من 200 شخص
لكن مع هذا شعرت بالإرتياح ونمت على شبر من المكان

وفي صباح اليوم الثاني من وجودنا بالصليب الأحمر
أتي زوج السيدة الفلسطينية وابنها وكان الاسرائيليون قد افرجوا عنهم
فطلب الزوج من زوجيته ترك المكان واصطحابها الى منطقة جباليا للمكوث
عند أحد اقربائهم
علماً بأن جباليا كانت من المناطق المحظورة بالدخول بسبب الاجتياحات فيها
فصرخت الزوجة بأعلى صوتها لن آتي معك حتى لا أفقد أبنائي
وأخذت تجهش بالبكاء وما كان مني سوى ان اقنع زوجها ان المكان هنا آمناً
بعض الشيئ وطلبت منه أن يرحم ضعفها وخوفها على أولادها

وفي ساعات العصر طلب منا الصليب الأحمر مغادرة المكان فوراً
والالتحاق بمراكز الايواء والمدارس فبكيت طويلاً وقلت لهم
كيف سأوصل الى هناك مع والدي الذي لا يستطيع الحراك
وقالوا ان لديهم تعليمات بقصف المكان ويجب اخلاؤه على الفور
وزاد صراخ الناس وبكائهم وبدءوا بالتحرك للخروج من هذا المكان المستهدف
وأتتني السيدة المنهارة تسألني ماذا سأفعل ؟؟
فقلت لها لا بد من العودة الى منزلي ولو احببتي مرافقتي انتي وزوجك واولادك
لا مانع عندي فقط اقنعي زوجك

وبالفعل أقنعت زوجها وكان عدد افرادهم سته اشخاص ورافقوني الي منزلي
بصحبة والدي حيث اعادوه الجيران الي بيتي مثلما احضروه أول مره

مكثت هذه العائلة في بيتي ما يقارب السته أيام
وكنت سعيده بتواجدهم حيث كنا نشدد من أزر بعضنا البعض
وبعد انتهاء الحرب خرجوا ليبحثوا لهم عن مسكن آخر

إنتهت أيام الحرب وذكرياتها ما زالت عالقة بالنفوس

والسؤال يعاود نفسه

من سيقلع هذه الذكريات المريرة في نفوسنا
ونفوس أطفالنا !!!

عزيزتي سناء
قرأت صفحاتك والرعشة تسري في جسدي لقراءة مشاعرك بين الكلمات والسطور
ولتذكّر تلك الايام التي شعرنا بأننا مكبلي الايادي واللسان ... والقلب في حرقة
التصقنا بشاشات التلفاز التي قرّبتنا قدر المستطاع مع الأحداث وأفجعت قلوبنا ونفوسنا
لرؤية تلك الجرائم الانسانية في حق الشعب الفلسطيني في غزة
جف القلم ولم نستطع كتابة مشاعرنا فأي حرف لن يعبّر أبدا عن ما مررتم به
ولكنكم في القلب وغزة في القلب وفلسطين كلها شعبا وأرضا وترابا في القلب

ولاجيب على تساؤلك الاخير ... لا لن ينسى أي أحد قسوة ما مر به فهي بصمة في النفسي والذاكرة
من شدة قسوتها وهولها تبنى الشخصية
ولكنها ستتحول الى ذكريات قاسية .. يتحدث عنها اللسان ويرتعش لها القلب

أشكرك بشدة لتدوينك تلك الذكريات فنحن بحاجة للتذكير دوما
"كي لا ننسى" !

عزيزتي سناء
قرأت صفحاتك والرعشة تسري في جسدي لقراءة مشاعرك بين الكلمات والسطور
ولتذكّر تلك الايام التي شعرنا بأننا مكبلي الايادي واللسان ... والقلب في حرقة
التصقنا بشاشات التلفاز التي قرّبتنا قدر المستطاع مع الأحداث وأفجعت قلوبنا ونفوسنا
لرؤية تلك الجرائم الانسانية في حق الشعب الفلسطيني في غزة
جف القلم ولم نستطع كتابة مشاعرنا فأي حرف لن يعبّر أبدا عن ما مررتم به
ولكنكم في القلب وغزة في القلب وفلسطين كلها شعبا وأرضا وترابا في القلب

ولاجيب على تساؤلك الاخير ... لا لن ينسى أي أحد قسوة ما مر به فهي بصمة في النفسي والذاكرة
من شدة قسوتها وهولها تبنى الشخصية
ولكنها ستتحول الى ذكريات قاسية .. يتحدث عنها اللسان ويرتعش لها القلب

أشكرك بشدة لتدوينك تلك الذكريات فنحن بحاجة للتذكير دوما
"كي لا ننسى" !

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ندا أبوطالب

" أوضاع أهلنا في فلسطين أمر يستوجب منا الفزع لربنا والتضرع إليه أن يفرج كربهم وأن ينتقم من عدوهم فإن عدوهم مهما بلغت قوته فليس بشيء أمام قوة الجبار جل جلاله ،
اللهم انت الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد اللهم وانت الحي القيوم أنت مولانا ونعم النصير
اللهم انصر إخواننا في فلسطين على خونة اليهود وخونة قومهم يا قوي ياعزيز

متابعين إن شاء الله

اختي الغالية
أبتهل لله العلي القدير أن يزيح هذه الغمة السوداء من نفوسنا
وان تطهر جميع أراضينا من المغتصبين
وان يتولى الصالح منا في بلاده زمام الأمور
لتنتهي تلك الممرات الأليمة من داخل أنفسنا
لقد تعبنا حقنا وكل يوم يمر يزداد خوفنا
من أن تعاد تلك الحرب مره أخرى
وان اليهود تتذرع للتصدي لنا بأتفة الاسباب
ونحن لا نملك سوى الصبر

جزيل الشكر لدعائك الجميل