اساتذتى الافاضل
فلنتفق أولا على أن احتفاظ الإنسان بصفته كانسان أمام نفسه أهم ما فى الحياة
وكما قال السيد المسيح عليه السلام
ما فائدة أن تكسب العالم وتخسر نفسك
نعم ما فائدة أن تراني الدنيا كلها كانسان ووحدي اعرف حقيقة ما أنا عليه
إذا فاحتفاظ الإنسان باحترامه لنفسه كانسان هو اثمن ما يمتلكه
والآن
ما معنى أن أكون إنسان؟؟
ما معنى أن احترم نفسى كانسان ؟؟ ومتى يحدث ذلك؟؟
من المنظور الديني فالإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل
وعندما سئلت السيدة عائشة عن أخلاق سيدنا رسول الله قالت كان قرآنا يمشى على قدمين وسيدنا رسول الله هو المثل الأعلى للإنسان كما ينبغى أن يكون
أي أن تكون إنسان معناها أن يكون كل ما تؤمن به من قيم ومبادئ ومثل عليا أسلوب حياة تعيش به وان تكون كل تصرفاتك وقراراتك ترجمة أمينة لكل ما تؤمن به وتعتقده بداخلك
فأسوأ شئ أن نتحدث عن أخلاق لا نمارسها وفضائل لا نعرفها
ودائما كانت كلمة لا هي الاختبار الحقيقي للإنسان ولكل كلماته التى ينادى بها ومبادئه التى يعلن إيمانه بها
حيث تفرض عليه الحياة الاختبار وتضعه فى مواجهة كلماته ومبادئه التى ينادى بها
وكثيرون يتخلون عن كل ما نادوا به من مبادىء وقيم ومثل عليا عندما يكون مفروضا أن تتحول إلى (لا) ستكلفهم مواجهة مالا يحبون
كثيرون خسروا أنفسهم فى تلك المواجهة بعدما اكتشفوا أن كل علاقتهم بالقيم والمثل العليا مجرد كلمات وتناسوا أن كل الكلمات فى كل بحور الشعر فى اللغة العربية لن تحول الدعي إلى فارس ولا إلى إنسان
كيف نمارس كلمة ( لا ) ؟
اعتقد أن أفضل ممارسة لكلمة لا من منطلق كل ما ذكرت هو أن تعبر كل تصرفاتنا وقراراتنا عما نعتقده ونؤمن به فعلا
ولكن
أحيانا يكون ما اعتقده وأؤمن به لا يلقى رضاء السلطة والقوة من حولي
مما يعنى حتمية الصدام بيني وبين تلك السلطة أو القوة إذا كانت تصرفاتى ترجمة أمينة لما أؤمن به
وهذا يقودنا إلى سؤال
ما هى الآلام النفسية التى قد نتعرض لها نتيجة( لا ) ؟؟؟
أو بمعنى أدق نتيجة أن تصرفاتنا وقراراتنا عبرت بصدق عما نؤمن به والذي لا يلقى رضاء السلطة أو القوة من حولي
اساتذتى الأفاضل
تبدأ هذه الآلام من الشعور بعدم الارتياح نتيجة رد فعل السلطة أو القوة وتتدرج حتى تصل إلى الموت والإعدام حسب قوة وسلطة من استخدمت ضدهم (لا) وليس حسب قيمة( لا ) ولا درجة قوتها ولا أسلوبها ثم ترتفع هذه الآلام إلى درجة يكون الموت فيها مجرد حلم جميل يتمناه الإنسان وبزيارة واحدة إلى أي معتقل لأي سلطة فى العالم مهما تشدقت بكلمات حقوق الإنسان كفيلة بإقناعك
واعتقد انه بعد مهزلة أبو غريب وجوانتناموا ( وأمريكا هى زعيمة العالم الحر وراعية حقوق الإنسان ) لم يعد هناك أي شك فى نتيجة الاصطدام بالسلطة. أي سلطة
وهذا يقودنا إلى سؤال
كيف أمارس حقى فى أن أقول لا دون أن أتعرض لنتائج لا يعلمها إلا الله ؟؟
انه الحلم الجميل
ولا مكان له على الأرض
لان معنى( لا ) انه هناك تعارض فى القيم والمبادئ والمثل العليا بينك وبين من أطلقت لا فى وجوههم
فإذا كانوا اضعف منك فلا محل للتساؤل
ولكن التساؤل يدل على قوتهم ولا يوجد إنسان سيتخلى عن استخدام قوته لفرض وجهة نظره ( إلا من رحم ربى )
وأنت حر فى استخدامك لكلمة (لا )
ولكنك لا تستطيع أبدا أن تتحكم فى رد فعل من استخدمت ضدهم فلكل منا حساباته
فأنت قد تستخدمها وأنت تتصور أن الموضوع صغير وأنها غير مهمة وتفاجأ برد الفعل من الطرف الآخر فكما قلت لكل منا حساباته
ولهذا لا يوجد حد معين يمكن أن تلتزم به فى استخدامك لكلمة (لا ) ويوفر لك الأمان
اعرف واقعة استخدم أحدهم فيها (لا) فى صورة تخطى إشارة مرور غير قانونية لجهة سيادية ودفع حياته ثمنا لذلك
وقد استخدم أحدهم يوما لا فى شكل نكته ظريفة ودفع سنين طويلة من عمره ثمنا لها
والفارس نزار قبانى استخدمها يوما فى صورة أبيات من شعره وكان اغتيال زوجته ونفيه هو ثمنها رغم أنها لم تكن سوى أبيات من الشعر
أنت حر أن تستخدم (لا )
ولكنك لا تستطيع التحكم فى ردود الفعل عليها
والآن اسمحوا لى أن أضع تساؤلي فى صيغة أخرى
إذا كان استخدامى (لا ) سيضعنى فى صدام ( وهو حتما سيفعل ذلك ) مع القوة والسلطة وسيعرضنى لكل ما ذكرت من آلام
فهل امتنع عن استخدام (لا) لأتجنب تلك الآلام التى لا أستطيع التحكم فى درجتها وهل ستكون فى داخل قدراتى على الاحتمال أم اكبر منها بكثير ؟؟؟
ولكنى سأخسر احترامى لنفسى كانسان إذا فعلت ذلك لأني بذلك أكون قد تخليت كل ما أؤمن به من قيم ومبادئ
أم أصمم على( لا )لاحتفظ باحترامى لنفسى كانسان ؟؟حتى لو كان الموت هو الثمن فيكفى أن أموت كانسان
والآن اسمحوا لى أن أضع صيغة أخرى لعلها تقرب المفهوم للأذهان
أيهما أفضل
الحياة كمجرد جثة تتحرك وقبر لمن كان يوما إنسان ؟؟
أم الموت كانسان ؟؟
والآن صياغة أخيرة اعتقد أنها يمكن أن تحسم القضية
هل نضحى بالروح ليعيش الجسد ؟؟؟
أم نضحى بالجسد لنحتفظ بأرواحنا ؟؟
لو اختار الأنبياء الاختيار الأول لما كانت هناك أديان
ولو اختار المصلحون على طول التاريخ البشرى الاختيار الأول لفسدت الحياة وتحولت إلى غابة
أطفال فلسطين حسموا اختيارهم
ورجال بغداد حسموا اختيارهم
الكارثة انه يبدو أن باقى الأمة العربية إلى الآن لم تحسم اختيارها
جمال النجار